سورة الحديد - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسِلهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}.
الصدِّيقون: مبالغة في الصدق، والشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فالمؤمنون بمنزلة الصديقين والشهداء- لهم أجرهم في الجنة ونورهم في القيامة.
{وَالَّذِيِنَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِئآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
والصدِّيق مَنْ استوى ظاهرُه وباطنُه.
ويقال: هو الذي يحمل الأمرَ على الأشَقِّ، ولا ينْزلُ إلى الرُّخَصِ، ولا يجنح للتأويلات.
والشهداءُ: الذين يشهدون بقلوبهم مواطن الوصلة، ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، {وَنُورُهُمْ}: ما كحل الحقُّ به بصائرهم من أنوار التوحيد.
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}.
الحياةُ الدنيا مُعَرَّضَةٌ للزوال، غيرُ لا بثةٍ ولا ماكثة، وهي في الحال شاغلةٌ عن الله، مُطْمِعةٌ وغير مُشْبِعة، وتجري على غير سَنن الاستقامة كجريان لَعِب الصبيان، فهي تُلْهي عن الصوابِ واستبصار لحقِّ، وهي تفاخرٌ وتكاثرٌ في الأوال والأولاد.
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفًَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونَ حُطَاماً}.
الكفار: الزُّرَّاع.
هو في غاية الحُسْنِ ثم يهيج فتراه يأخذ في الجفاف، ثم ينتهي إلى أنْ يتحطّم ويتكسَّر.
{وَفِى الأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
لأهله من الكفَّار.
{وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}.
لأهله من المؤمنين.
{وَمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الدنيا حقيرةٌ- وأحقرُ منها قَدْراً طالبُها وأقلُّ منه خَطَراً المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة؛ وطالِبُ الجيفةِ ليس له خطرٌ. وأخس أهل الدنيا مَنْ بَخِلَ بها.
وهذه الدنيا المذمومة هي التي تَشْغَلُ العبدَ عن الآخرة!


قوله جلّ ذكره: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
أي سارِعوا إلى عَمَلٍ يوجب لكم مغفرةً من ربِّكم، وذلك العملُ هو التوبة.
{وَجَنَّةٍعَرْضُهَا} ذَكر عَرْضها ولم يذكرْ طولها؛ فالطول على ما يوافيه العَْرضُ.
{أُعِدِّتْ لِلَّذِينَ ءَامُنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}: وفي هذا دليلٌ على أنَّ الجنةََ مخلوقة.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
وفي ذلك ردٌّ على من يقول: إن الجنة مُسْتَحقَّةٌ على الطاعات، ويجب على الله إِيصالُ العبدِ إليها.. لأن الفضلَ لا يكون واجباً.
ويقال: لمَّا سمعت أسرار المؤمنين هذا الخطاب ابتدرت الأرواحُ مُقْتَضِيةً المسارعة من الجوارح، وصارت الجوارحُ مستجيبةً للمُطالَبةِ، مُستبشرة برعاية حقوق الله؛ لأنها علمت أن هذا الاستدعاءَ من جانب الحقِّ سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِبيَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
المصيبة حَصْلةٌ تقع وتحصل. فيقول تعالى: لا يحصل في الأرض ولا في أنفسكم شيءٌ إلى وهو مُثْبَتٌ في اللوح المحفوظ على الوجه الذي سبق به العِلْم، وحقَّ فيه الحكم؛ فقبل أن نخلق ذلك أثبتناه في اللوح المحفوظ.
فكلُّ ما حصل في الأرض من خصبٍ أو جدبٍ، من سعة أوضيق، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور، من حياةٍ أو موت كلُّ ذلك مُثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل.
وفي قوله: {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} دليلٌ على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه. وللعبدِ في العلم بأنَّ ما يصيبه: من بسطٍ وراحةٍ وغير ذلك من واردات القلوب من اللَّهِ- أشدُّ السرور وأتمُّ الإنْسِ؛ حيث عَلِمَ أنه أُفْرِدَ بذلك بظهر غيبٍ منه، بل وهو في كنز العَدَم، ولهذا قالوا:
سقياً لمعهدك الذي لو لم يكن *** ما كان قلبي للصبابة معهدا


قوله جلّ ذكره: {لِكَيْلاَ تَأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَاكُمْ}.
عَدَمُ الفرحة بما آتاهم هو من صفات المتحررين من رِقِّ النَّفْس، فقيمةُ الرجالِ تتبين بتغيُّرِهم- فَمَنْ لم يتغيَّرْ بما يَرِدُ عليه- مما لا يريده- من جفاءٍ أومكروهٍ أو محنة فهو كاملٌ، ومَنْ لم يتغيَّرْ بالمسارّ كما لا يتغير بالمضارِّ، ولا يَسُرُّه الوجودُ كما لا يُحْزِنُه العَدَمُ- فهو سَيِّد وقته.
ويقال: إذا أردْتَ أن تعرفَ الرجلَ فاطلبْه عند الموارد؛ فالتغيُّرُ علامةُ بقاء النَّفْس بأيّ وجهٍ كان: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
فالاختيال من علامات بقاء النفس ورؤيتها، والفخرُ (ناتجٌ) عن رؤيةِ ما به يفتخر.
قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
بخلوا بكتمان صفة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وأمروا أتْباعَهم بذلك، وذلك لما خافوا من كسادِ سُوقِهم وبطلان رياستهم.
{وَمَن يَتَوَلَّ} عن الإيمان، أو إعطاء الصَدَقة {فَإِِنَّ اللَّهَ هُوَالْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
والبخلُ- على لسان العلم- مَنْعُ الواجب، فأمَّا على بيان هذه الطائفة فقد قالوا: البخلُ رؤية قَدْر للأشياء، والبخيلُ الذي يُعْطِي عند السؤال، وقيل: مَنْ كَتَبَ على خاتمه اسمه فهو بخيل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7